"الشهيد الحي" بعد تشيع جثمانه إلى مثواه الأخير .. عائلته تكتشف انه حي يرزق في العناية المركزة
بقلم: بشير جبر
غزه /الجمعة/ 14/3/2008 (رامتان): "أنا مش مصدق انو ابني شهيد، أنا حاسس انو حي يرزق" تلك هي الكلمات التي بدأ بها والد الشهيد الحي حديثه في مقابلة مع وكالة أنباء /رامتان/ قال نعيم أبو سلامة، خلال التصعيد الإسرائيلي الأخير على بلدة جباليا " كان ابني أحمد يلعب مع أصدقائه أمام المنزل حين أطلقت طائرة استطلاع إسرائيلية صاروخا باتجاههم والتي ارتقي فيها ابني شهيداً إلى العلى".
فبعد أن خرج العشرات من أهالي بلده جباليا لتشيع ابنهم أحمد نعيم أبو سلامه، الملقب "بميشو" إلى مثواه الأخير.. مظاهر العزاء دامت ثلاثة أيام بعد الجنازة.. حزن عم المكان.. بدأت العائلة تتأقلم مع حياتها الجديدة وفقدانها لابنها.
واستمر نعيم، في حديثه " بقيت لمدة ثلاثة أيام أبحث عنه بين الشهداء، والمصابين ولم أجده، كان هناك أشلاء لمجهول الهوية بنفس عمر ابني.. لم اجزم بأنه هو إلى حين لم يبقى سواها في ثلاجة الموتى بمستشفى كمال عدوان، فاقتنعت بأن هذه الأشلاء أشلاء ابني أحمد.. خرجت الجنازة.. فتح العزاء.. دعيت له أن يكون مثواه الجنة.. ولكن لازال هناك شعور ينتابني أن ابني حي يرزق ".
الغريب في الأمر أن والده كان يرى ابنه أحمد بالحلم، وهو يناديه بصوت مخنوق "يابا .. يابا" ومرت ثلاث أيام متتالية يرى فيها ذات الحلم ، أحمد يستنجد بأبيه، يفيق الأب وينتهي الحلم، إلى أن اقتنع أنه قد ارتقى للعلى أنه رحل، وتم عمل كل الإجراءات اللازمة بعد الوفاة، واستخراج شهادة وفاة باسم أحمد نعيم أبو سلامة وانتهي الأمر كلياً .
ولكن بعد مرور ثلاثة عشر يوماً على مقتل أحمد والمعروف "بميشو"، وبداية تأقلم عائلته وتقبلها لفكره أن ابنها قتل كباقي الضحايا ال 132 الذين قضوا جراء التصعيد الإسرائيلي الأخير على بلدة جباليا.
وكانت المفاجأة فقد رن الهاتف الخلوي لوالده وكان المتصل أحد أصدقاء ميشو " الحق ابنك هيو عايش"، " ميشو عايش يا عمى أبو أحمد"، " ابنك ما استشهد"، "ميشو موجود بالعناية المركزة بمستشفى الشفاء بغزة".
وبسرعة البرق، خرج والدي أحمد إلي المستشفي، وتوجها الي غرفة العناية المركزة، وهما لايصدقان ما سمعاه، "ولكن ذهبا لقطع الشك باليقين"، هناك شاهدا طفلاً تحيط به عائلة اليازجي، وتحسبه ابنها، الي حين فك الطبيب المعالج الضمادات التي تغطي وجهه لخطورة الإصابة التي تعرض لها رأسه الصغير، ليجد ابنه الشهيد أحمد حي يرزق، يرقد في العناية المركزة، بوضع صحي مستقر، وبإصابة في الصدر والرأس.
وتبين أن أحمد أبو سلامه مصاب يرقد في العناية المركزة بالمستشفى، وليس الشاب الذي تم تشيعه قبل 13 يوماً، وأن من شيع هو أبن عائلة اليازجي، التي لم يتسنى الفرصة لعائلته أن تودعه حتى في مماته.
" أنا لا أصدق لحتى هذه اللحظة أن ابني حي.. لقد شيعناه في جنازته قبل 13 يوم" هكذا بدأت والدة أحمد حديثها مع /رامتان/.
وفي شعور مختلط بين الحزن والفرح، قالت أم أحمد، "شعوري غريب للغاية يعني بعد ما شيعت إبنى، اليوم برجعلي أحمد وأشوفه عايش ومصاب بجراح خطيرة، وحالة مستقره"، متمنية له الشفاء العاجل وداعية الله أن يصبر أل اليازجي على ما ابتلاهم بعد اكتشافهم للحقيقة وأن من يرقدون بجانبه ابن عائلة أخرى فيما شيع ابنهم الي مثواه الأخير دون علمهم.
زغاريد.. صيحات فرح.. صلاة شكر.. إطلاق نار في الهواء.. شعارات جداريه تتمني الشفاء العاجل لأحمد غير تلك الشعارات الجداريه التي كانت تنعاه، هذه المظاهر التي استقبل فيها خبر عودة أحمد للحياة.
وفي ذات الوقت الذي اكتشفت فيه عائلة أبو سلامة أن ابنها حي يرزق يرقد على سرير بالعناية المركزة داخل مستشفى الشفاء، وعادت لتلغي شهادة وفاته التي كانت قد استخرجتها قبل نحو إسبوعين، كانت الصدمة كالصاعقة تضرب بعائلة اليازجي التي فقدت ابناها خلال التصعيد الأخير، فتجده مدفونا بإحدى المقابر لتحرم من إلقاء نظرة الوداع الأخيرة.. دون تشيع.. دون بيت عزاء.